بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على آلائه، والصلاة والسلام على رسله وأنبيائه، أخص منهم (محمداً) صلى الله عليه وآله وسلّم الذي انتشر العلم بتعاليمه السامية بين الأنام انتشار نور البدر ليلة الظلام، وحلى الآل والأصحاب، بمحاسن الآداب، كما تحلّت الحسان بالغرر، والعيون بالحور، وبعث متمماً لمكارم الأخلاق صوناً للفضيلة، واقتلاعاً لجذور الرذيلة، فأحدث في الكون انقلاباً عظيماً وتغييراً جسيماً.
وكان له في الاجتماع مكانة لم ينلها بشر، ولن تسمو لإدراك كنهها الفكر، وأنى تدرك؟ والتأييد السماوي، والعون الإلهي، بما اشتملت عليه من بدائع الحكمة ولباب العرفان قائد أعنتها، ومالك أزمتها، وحسبك منها ذاك النظام الدائم وتلك المعجزة الباهرة الزاهرة (القرآن) الباقية ما بقيت السموات والأرض.
وبعد، فلما كان هذا العصر المنير عصر العلم والنور، والحرية والدستور، عصر تلألأت فيه أنوار الحكمة، وتقشعت سحب الجهل وغياهب الظلمة، وسخر به الكهرباء والبخار، لإرادة هذا الإنسان الجبار، عصر أقل حسناته نطق الجماد الأبكم، وسمع الأصم، عصر لو أتيح لمخترعي عجائبه أن يعيشوا في ظلمات العصور الغابرة لعد عملهم معجزاً من المعجزات، وآية من الآيات، فحيا الله همة تحمل صاحبها على تجشم المصاعب، والسير في المشارق والمغارب، لنفع الأمة والوطن، وتنوير المدارك والفطن.
ومعلوم أن هذه الأمة العثمانية لم تنحط عن سواها من الأمم الراقية مراقي الحضارة إلا بسبب العوامل المنهكة، التي طرأت على جثمانها من جراء الاستبداد الذي ضغط على الأفكار، ومنع خرائها من الظهور والانتشار، وقضى بإقفال الأندية، وولوج الأخبية، حذراً من أن يسطع نور الحقيقة فتنسلخ الأوهام، عن المدارك والأفهام، وتتلاشى مزعجات الفكر، كتلاشي الظل في القمر، أما وقد زالت تلك الغمة عن هذه الأمة، بفضل جيشنا الباسل المظفر، وفي طليعتهم (نيازي وأنور) بطلا الحرية، اللذان قاما بأهم واجب مقدس نحو الأمة والوطن.
فقد أصبحنا نرجو لهذه المملكة العريقة بالمجد والعمران، مدنية تضاهي بها أعظم ممالك الأرض تمدناً فيتم لها بوقت قريب إن شاء الله ما تم لاختها اليابان، ويعود لها مجدها الباذخ، وعزها الشامخ.
هذا ولما انتشرت أشعة الحرية، على أرض المملكة العثمانية، انبرى فريق من حملة الأقلام أصحاب الافكار النيرة إلى إنشاء الصحف والمجلات علماً منهم بأنها أنجع ذريعة لتهذيب الشعوب وتنوير العقول وخير عامل على رقيها وفلاحها، وأحسن ضامن لسؤددها ونجاحها، وعلماء الإجتماع اليوم يعدونها مقياساً لترقي الأمم، ونبراساً مضيئاً ينقذها من الظلم والظلم، ونحن مهما انتشر بيننا من الصحف بعد الدستور لا يعد شيئاً بالنسبة لغيرنا من الأمم الحية.
تنحصر مباحث المجلة في الأبواب الأربعة التي ذكرناها إلا ما يكون بآخرها من مختصر لمهمات الحوادث تحت عنوان (السياسة في شهر).
لا تطرق المباحث الدينية البحتة التي تحدث في أغلب الأحيان نفرة وامتعاضاً وتنتج التفرق والشتات، بين المذاهب واللغات، ونحن إلى الاتفاق والانضمام، أحوج من الاختلاف والانقسام.
كما أنها لا تتعرض للأمور السياسية لأن ذلك من شأن الصحف السيارة والسياسية غالباً تتلون بلون الحرباء فلذاك تتبع القول المأثور عن بعض حكماء الشرق (ما دخلت السياسة شيئاً إلا أفسدته).
تقبل مع الشكر والامتنان نفثات أقلام الكتاب، ونتائج أفكار أولي الألباب من نظيم ونثير بشرط أن يكون ذلك غير خارج عن موضوعها، وليعلم كل من يتفضل بمؤازرتها أن لا تكيل الألقاب جزافاً بل تختصر على اسم الكاتب عملاً بما قيل ولا تنظر لمن قال وكتابة المرء عنوان عقله.
تقبل النقد الصحيح الذي ينتقد عليها وتنشره على صفحاتها مع الارتياح والثناء فهي تتمسك بأهداب الحق، وتنتهج منهاج الاعتدال والصدق، وتشكر من ينتقدها بحق أكثر ممن يمدحها بباطل بقاعدة من أبكاك فقد نصحك، ومن أضحكك فقد غرّك وخدعك.
لا تتعرض للشخصيات ولا تنشر كلمة يُشتم منها رائحة التحريض بشخص ما لأنها أُنشِئت لخدمة الأمة بمجموعها.
جميع الرسائل يجب أن تكون موقعة بتوقيع أصحابها إما بأسمائهم الصريحة أو بالرمز إليها وهي إلى تصريح الأسماء أميل ولا عائد على المجلة بما يكتب تحت الإمضاء وإنما العائد على أصحابها وهي تقبل انتقاد كلام كل فرد منهم انتقاداً صحيحاً غير مشوب بالمغالطة والسفسطة، أما ما كان مغفلاً من الامضاء فبقلم منشئ المجلة وعائده عليه.
هذه خطتنا أبرزناها للقراء الكرام فليتفضل من يرى بها نقصاً ببيانه، وليتكرّك كل من يحد نقد ابتبيانه، وإنا نتقدم إلى رصفاءنا أصحاب الجرائد والمجلات العربية وطلائع الحكمة الشرقية والله ولي الهداية والتوفيق، وإلى أمثل طريقة وأقوم طريق.
مُنشئ هذه المجلة منذ نعومة أظفاره وهو يتشوف لإنشاء صحيفة يتمكن بها من خدمة أمته ووطنه إذ (كل امرء ميسر لما خلق له) والآن قد قيض الله لنا ما نتمناه (والأمور مرهونة بأوقاتها) فأنشأنا هذه المجلة على اعتراف منا بالعجز والتقصير ودعوناها (العرفان) ولكل مسمى من إسمه نصيب وقد اتخذت على عاتقها البحث في العلم والأدب والأخلاق والإجتماع قدر ما يُستطاع على أنها ستزيد مباحثها إذا رأت إقبالاً فهي تعمل على ناموس الإرتقاء وسنة الكون (سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا) وتصدر في كل شهر عربي وفقنا الله لإتمام هذه الخدمة، والقيام بهذه المهمة، كي يتسنى لنا خدمة الوطن والأمة، خدمة حقيقية، في ظل حكومتنا الشوروية بمنّه ويمنه.